مقالات, الخمس, القارات, حصريه, حظوظ
كما أن الحظ قد يتحكم فى حياة الأفراد ، وكذلك الدول ، فإنه يتحكم فيما يبدو فى حياة القارات . لقد تعلمنا جميعا فى المدرسة أن عدد القارات خمسة هى أوربا وآسيا وإفريقية وأمريكا واستراليا . وقد حدثونا كثيرًا عن مساحاتها ، وتضاريسها ، وأحوال المناخ فيها ، وكذلك ما تحتوى عليه من مواد طبيعية ، وما تشتمل عليه من جبال وأنهار، لكن الشىء الذى لم يحدثونا عنه هو أن بعض هذه القارات قد ارتفع شأنه وعلا قدره بينما ظلت قارات أخرى تعانى الفقر والمرض والإهمال . وعندما حاولنا أن نبحث عن السبب وجدنا أن أوربا هى التى سبقت القارات الأخرى فى العصر الحديث من حيث العمران ، والازدهار الاقتصادى والرفاه الاجتماعى . لماذا ؟ لأنها هى التى احتضنت الثورة الصناعية عندما نشأت ، وبالتالى استفادت أولاً من كل منجزاتها ، ثم راحت تتطلع إلى خيرات القارات الأخرى ، فاكتشفت أمريكا واستراليا ، ثم استعمرت العديد من البلاد فى قارتى آسيا وإفريقية . وهكذا تجمعت فى أوربا بالإضافة إلى مواردها الخاصة، وهى كثيرة ، كل موارد القارات الأخرى ، المنهوبة بواسطة الاستعمار . أما كل من أمريكا الشمالية واستراليا فقد هاجر إليها العديد من الأوربيين ، واستطاعوا أن يقيموا فيها حياة مزدهرة ، ما لبثت أن بلغت بل وتفوقت على ما وصلت إليه أوربا نفسها ، وأصبحت أمريكا تملك من القوة والثروة ما يجعلها تعتقد أنها سيدة العالم المعاصر.
أما القارتان العتيقتان : آسيا وافريقية فقد بقيتا لفترة طويلة تندبان حظهما العاثر . لكن بعض بلاد آسيا أسرعت بالتقاط وصْفة التقدم ، وراحت تطبقها بمهارة ، ودون ضجيج حتى تمكنت من الوقوف على قدميها ، ثم تمضى على طريق التقدم بخطى ثابتة وواعدة . وهى بهذا الشكل لم تستسلم لمقولة الحظ العاثر ، بل صنعت مصيرها بنفسها وسط العديد من العقبات المحلية وكذلك الدولية التى وضعها الغرب فى طريقها . لكن إذا كان الكثير من البلاد الآسيوية لم تتقدم بعد ، فإن الروح الآسيوية الموجودة بالقارة سوف تدفعها قريبا إلى النهوض ، ومحاولة اللحاق بزميلاتها المتقدمة .
تبقى قارة إفريقية . والمؤسف أنه لا يكاد يوجد فيها نموذج واحد للتقدم والنهضة . وكلما حاولت إحداهما أن تقف على قدميها وجدت الضربات تلحقها من كل جانب . لماذا ؟ لأنها الجار الأقرب لأوربا ، ثم إنها تعيش على وهم أنها تخلصت تمامًا من الاستعمار ، وبدأت تدخل معركة التنمية . وهذا غير صحيح . فالاستعمار الماكر ما زال جاثما على صدرها، متحكما فى قراراتها ، مستغلا مواردها الطبيعية كما كان يفعل أثناء احتلال جيوشه لها ! وعلى الرغم من ذلك كله ، فإن إفريقيا تريد أن تنهض ، وترغب فى ذلك ، لكن عصا الحظ السحرية لم تمسها بعد . والغريب أنها ما زالت تنتظر هذه العصا لكى تضربها .. كما ضربتها آلاف المصائب من قبل !